في الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن "التحول الطاقي" و"مستقبل أخضر"، هناك من يرى في هذه الثورة البيئية فرصة ذهبية للربح
والهيمنة. نعم، نحن لا نتحدث عن شركة ناشئة أو عملاق صيني... بل عن القصر الملكي المغربي نفسه.
فمن كان يظن أن البطاريات التي ستشغّل سيارات المستقبل في أوروبا وأمريكا، ستُصنّع في المغرب، لكن بمفاتيح وتحكّم ملكي مباشر؟
مرحبًا بكم في عالم "Cobco"، حيث تتقاطع السلطة، المال، والتكنولوجيا في صفقة ضخمة من ذهب وكوبالت وفوسفاط... وسلطة مطلقة!
الملكية تدخل سوق الطاقة... من الباب الكبير
بهدوء ودون صخب إعلامي محلي، تم في 25 يونيو الماضي افتتاح أول مصنع مغربي لإنتاج مواد البطاريات الكهربائية في "الجرف الأصفر". هذا المشروع الضخم ليس فقط الأول من نوعه في المغرب، بل أيضًا في القارة بأكملها.
لكن خلف هذه الواجهة التكنولوجية، نجد أسماء معروفة:
Al Mada، الصندوق الاستثماري التابع مباشرة للعائلة الملكية، يتحالف مع العملاق الصيني CNGR لتأسيس شركة Cobco، وهي مشروع مشترك (Joint Venture) يشكل اليوم حجر الزاوية في تحول المغرب إلى منصة تصنيع كبرى لمكونات بطاريات الليثيوم أيون، الموجهة أساسًا للأسواق الغربية.
من الفوسفاط إلى الكوبالت... ثروات الوطن تحت المجهر الملكي
ما الذي تحتاجه بطاريات الليثيوم؟ ببساطة:
النيكل
المنغنيز
الكوبالت
الليثيوم
الفوسفاط
والمفاجأة؟ المغرب يملك أغلب هذه المعادن، بل ويُعد من أكبر مصدّري الفوسفاط والكوبالت عالميًا.
وهنا تظهر عبقرية الاستراتيجية الملكية: لمَ لا نحتكر المواد الخام ونصنّعها بأنفسنا داخل شركات تحت سلطة القصر، بدل بيعها بثمن بخس للخارج؟
وهكذا، يتحول القصر من مجرّد مستفيد من ريع المناجم، إلى فاعل صناعي مباشر في أهم قطاعات المستقبل.
مليارات في الطريق... ولكن لمن؟
استثمرت Cobco أكثر من 20 مليار درهم (حوالي 2 مليار دولار)، لإنشاء هذا المصنع الضخم الذي يغطي أكثر من 238 هكتارًا.
الهدف؟ إنتاج:
120 ألف طن سنويًا من مواد الـ NMC (Nickel-Manganèse-Cobalt)
60 ألف طن من الكاثودات LFP (Lithium-Fer-Phosphate)
ويُتوقّع أن تُمكّن هذه الكميات من إنتاج بطاريات كافية لـ1 مليون سيارة كهربائية سنويًا!
لكن السؤال الجوهري:
من يملك هذه التكنولوجيا؟
من يتحكم في التوزيع والتسعير؟
ومن المستفيد الأكبر من كل هذا الربح؟
الإجابة تختصر في كلمتين: "العائلة الملكية".
ماذا عن "التنمية"؟ أرقام على الورق
حسب البلاغ الرسمي، تم خلق:
5,000 وظيفة مؤقتة خلال البناء.
1,800 وظيفة مباشرة دائمة.
1,800 وظيفة غير مباشرة.
لكن التجربة المغربية مع مشاريع كهذه علمتنا شيئًا واحدًا: الأرقام تلمع في الورق، لكن على الأرض الواقع مختلف.
كم من هذه الوظائف ستكون بأجور لائقة؟
هل سيتم نقل التكنولوجيا فعليًا؟
هل ستُوزّع عائدات المشروع بشكل عادل؟
أم أنها مجرد أداة لتعزيز نفوذ قلة قليلة على حساب ملايين المغاربة؟
بين الصين والغرب... المغرب كـ"سمسار"
المثير أن المشروع لا يستهدف السوق المغربية. لا سيارات كهربائية مغربية، ولا بطاريات محلية.
بل كل شيء مصمَّم للسوق الأوروبية والأمريكية.
والمغرب – في هذا النموذج – يتحول إلى "ممر صناعي" بين الصين والغرب، بأراضٍ وموارد وعمالة رخيصة، لكن بملكية وتسيير ملكي.
البيئة؟ مجرد ديكور تسويقي
يتحدث البلاغ عن "اقتصاد دائري" و"استعمال الطاقة الخضراء" و"إعادة تدوير الماء"...
لكن هل رأينا يومًا تقارير شفافة عن تأثير مثل هذه المشاريع على المياه الجوفية، أو على صحة العمال، أو على سكان الجرف الأصفر؟
هل وُجدت صحافة مستقلة تستطيع التحقيق في هذا المشروع؟
طبعًا لا.
فالمشروع تحت مظلة "Al Mada"، أي تحت حماية السلطة.
ختامًا: من يملك المستقبل في المغرب؟
التحول الطاقي في العالم فرصة تاريخية، لكنها في المغرب تحوّلت إلى فرصة للتمركز والاحتكار.
Cobco ليس مجرد مصنع بطاريات.
إنه نموذج عن كيفية توظيف السلطة السياسية لاحتكار مفاصل الاقتصاد الاستراتيجي.
من المناجم إلى الصناعة إلى التصدير، كل شيء يمر عبر شبكة واحدة: شبكة القصر.
فهل سيكون المستقبل الكهربائي... أكثر عدالة؟
أم أنه مجرد ملكية جديدة... على شكل بطارية؟
تعليقات
إرسال تعليق