منير الماجدي وأوراق بنما... عندما تتقاطع السلطة والثروة في الخفاء


في أبريل 2016، انفجرت قنبلة إعلامية بحجم العالم: "أوراق بنما". تسريب غير مسبوق،
حجمه 11.5 مليون وثيقة، كشف كيف يتهرّب زعماء، مليارديرات، مجرمون، وشخصيات نافذة من الضرائب، ويخفون ثرواتهم عبر شبكة شركات وهمية في جزر نائية، وخلف واجهات قانونية متقنة الصنع. عناوين الصحف العالمية تصدرت بأسماء كبيرة: فلاديمير بوتين، ليونيل ميسي، سيغمار غابرييل، عائلة الأسد... لكن بالنسبة للمغرب، كان الاسم الأبرز هو: محمد منير الماجدي، الرجل الذي لا يبتعد عن الملك أكثر من ذراعه، والذي تولى لسنوات منصب الكاتب الخاص للملك محمد السادس، ورئيس إدارة ثروته الخاصة، والمسؤول عن إمبراطورية القصر المالية. لكن ما الذي كشفته الوثائق بالضبط؟ وهل نحن أمام مجرد استثمار خارجي؟ أم أمام هندسة مالية محكمة، تُخفي أصولًا ملكية، وتُمرر صفقات كبرى، وتُستغل فيها الملاذات الضريبية لتوسيع نفوذ القصر خارج القانون؟ دعونا نبدأ من البداية. 🧩 القصة تبدأ من جزر العذراء البريطانية: شركة صغيرة... بأسماء كبيرة في يناير 2006، تم تعيين محمد منير الماجدي ممثلًا ومندوبًا قانونيًا لشركة غامضة تُدعى SMCD Limited، مسجلة في جزر العذراء البريطانية، وهي جزيرة صغيرة تُعرف بأنها من أكثر الملاذات الضريبية سرية في العالم. الشركة لم تكن مجرد واجهة. فقد كُلّفت بشكل مباشر بشراء ونقل يخت فاخر كلاسيكي يعود للثلاثينيات، اسمه الأصلي Aquarius W. هذا اليخت تم استقدامه إلى المغرب وأُعيد تسجيله تحت اسم "البوغاز 1". والمثير في الأمر؟ أن اليخت يُستخدم حاليًا ضمن ممتلكات الملك الخاصة. هل كان الماجدي يشتري اليخت لحسابه؟ لا. هل كانت الصفقة لصالح الدولة؟ لا. بل لصالح جهة واحدة لم تُذكر صراحة: القصر الملكي
. 💸 تمويلات سرية في لوكسمبورغ: أين تذهب الأموال؟ وثائق "أوراق بنما" تكشف أن SMCD Limited لم تكتف بشراء اليخت، بل أصدرت قرضًا ماليًا غامضًا لصالح شركة أخرى في لوكسمبورغ تدعى Logimed Investments Co.، دون تحديد سبب القرض أو الغرض منه. من يقف خلف Logimed؟ حسب التحقيق، تأسست عبر شركة وهمية أخرى تدعى Pallister Holdings Limited (أيضًا مسجلة في جزر العذراء البريطانية)، ويظهر في هيكلها لاحقًا عبد الرزاق ستايل، إعلامي معروف، وشقيق سميرة ستايل، المديرة السابقة للأخبار في القناة العمومية 2M. هل نحن أمام شبكة داخلية؟ شبكة عائلية؟ أم مجرد صدفة؟ الأسئلة أكثر من الأجوبة. 🏢 عندما يشتري القصر عقارات فخمة في باريس الماجدي لم يكتف بإدارة شركة واحدة. فقد برز اسمه كذلك كمؤسس ومدير في شركة Immobilière Orion S.A.، المسجلة في لوكسمبورغ سنة 2003. هذه الشركة حصلت على تمويل بقيمة 42 مليون دولار، عبر Mossack Fonseca، بهدف شراء وتجديد قصر فاخر وسط باريس. الملكية الفعلية؟ تشير مصادر متعددة إلى أن العقار مسجّل ضمن أملاك القصر، لكن بشكل غير مباشر.
الأمر الأكثر غموضًا هو هوية المساهمين. الوثائق تُظهر أن الشركاء في البداية كانوا شركتين غامضتين: Dot Finance SA وFinancière du Bénélux SA، مسجلتين في نفس العنوان، وتحت إدارة نفس المكتب المالي Fidupar. لا أحد يعرف من يملك تلك الشركات. 🔍 المثير أن سجلات Orion تُظهر أصولًا ثابتة بقيمة 18 مليون يورو، وديونًا مالية بقيمة 36 مليون يورو. هل تم ضخ هذه الأموال من أموال خاصة؟ أم من تمويلات تُدار من خارج المغرب؟ مرة أخرى، لا يوجد أي توضيح رسمي. 🏗️ استثمارات في العمق المغربي: القصر في البورصة من خلال SMCD Limited، دخل الماجدي في 2008 ضمن حملة استثمار خاص داخل شركة Alliances Développement Immobilier، التي يملكها الملياردير العلمي نافع. هذا الدخول تم في مرحلة ما قبل إدراج الشركة في البورصة، مما يعني أن الماجدي - أو بالأحرى القصر - حصل على أسهم بشروط تفضيلية يصعب أن يحصل عليها مستثمر عادي. الغريب أن اسم SMCD Limited استمر في الوثائق الرسمية للشركة حتى سنوات بعد ذلك، رغم إعلانها عن تصفيتها سنة 2013. هل تم تصفيتها فعلًا؟ أم أن الغموض هو جزء من اللعبة؟ 🏝️ من جنيف إلى المغرب: نفس الشبكة، نفس الأسماء يظهر في خلفية هذه العمليات اسم أنطونيو مافيكا، مستشار ضريبي سويسري، يرأس مكتب "Dextima Conseils" في جنيف. هذا الرجل لعب دور الوسيط في تسجيل SMCD Limited، ويظهر اسمه أيضًا في ملف استغلال رخص الرمال في المغرب، من خلال شركات مثل Millenium Invest وClarkenson Group، التي حصلت على امتيازات ضخمة في بنسليمان. الغريب؟ هذه الشركات استولت على شركات مغربية صغيرة، يملكها مقربون من الماجدي، مثل حسن المنصوري، الذراع الأيمن له، ويُونس مراكشي، ولمياء بلقاضي. هل نحن أمام خريطة نفوذ اقتصادي سرّي يتحرك بهدوء؟ أم مجرد صدف متكررة لرجال أعمال مقربين من القصر؟ 🕴️ وتبقى الحقيقة خلف الستار عند سؤال الماجدي – عبر محاميه، والذي يُعتقد أنه هشام الناصري – عن هذه الشركات، جاء الجواب الجاهز: "تم إنشاء الشركتين وفقًا للقوانين المعمول بها، وكل وثائقهم موجودة في السجلات الرسمية." لكن هذا الرد لا يُجيب عن الأسئلة المحورية: لماذا يتم اللجوء إلى جزر العذراء، ولوكسمبورغ، وجنيف، إن كانت العمليات شفافة؟ لماذا تُدار ممتلكات القصر عبر شركات أوفشور، بدل أن تُسجل علنًا في المغرب؟ لماذا تتداخل أسماء الإعلاميين والمقربين من السلطة في هذه الشبكة؟ والأهم: هل هذه الأصول تعود فعلاً للقصر، أم تُدار باسمه دون علم الرأي العام؟ 💥 الخلاصة: عندما تذوب الحدود بين المال والسلطة ما تكشفه أوراق بنما لا يتعلق فقط بالتهرب الضريبي أو السرية المالية. بل يُظهر كيف تُبنى إمبراطوريات مالية هائلة في الظل، يُديرها رجال من الصف الأول في النظام، ويُدار جزء منها خارج حدود الدولة، وبعيدًا عن أعين المؤسسات الرقابية أو البرلمان. منير الماجدي ليس مجرد موظف إداري. هو العقل المالي المدبر لثروة القصر، والبوابة التي تمر عبرها عشرات الصفقات والاستثمارات. وإن كانت هذه الشركات قانونية من الناحية الشكلية، فإن أسئلتها الأخلاقية والسياسية تبقى بلا إجابة. 📢 في الحلقة القادمة من "ما لا تعرفونه عن القصر الملكي": سنخوض في ملف "الأمراء والصفقات الكبرى"... كيف يشارك أفراد العائلة الملكية في الاقتصاد الوطني؟ ومن يحاسبهم؟

تعليقات