"لماذا لا يطالب المغرب باسترجاع الكويرة؟"

 


في وجدان ملايين المغاربة، هناك شعار ظل يتردد على الألسن لعقود: "من طنجة للكويرة". شعار تربى عليه الأطفال، ورددته وسائل الإعلام، وتغنى به السياسيون، على أنه تعبير عن وحدة التراب الوطني وامتداد السيادة المغربية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.

لكن الحقيقة أن هذا الشعار يخفي وراءه سؤالًا كبيرًا ومحيرًا:

أين تقع الكويرة؟ ومن يسيطر عليها اليوم؟ ولماذا لا يطالب المغرب باسترجاعها؟

مدينة الكويرة تقع على أقصى الطرف الجنوبي للصحراء الغربية، بمحاذاة الساحل الأطلسي، قريبة من الحدود الشمالية لموريتانيا.
لكن المفارقة أن لا وجود لمغربي واحد زار الكويرة، ولا توجد نقطة حدودية مغربية توصلك إليها، رغم أن الشعارات الرسمية تتحدث عنها وكأنها تحت السيادة المغربية الكاملة.

في الواقع، آخر نقطة يسيطر عليها المغرب ميدانيًا هي منطقة الكَركَرات، التي تبعد عن الكويرة حوالي 80 كيلومترًا.
وإذا خرجت من النقطة الجمركية المغربية هناك، فستجد نفسك في منطقة عازلة، تُعرف باسم "قندهار"، تمتد لحوالي 6 كيلومترات، ولا يوجد فيها أي تمركز عسكري مغربي.

بعد هذه المنطقة، تدخل إلى الأراضي الموريتانية، حيث تبدأ حدود الدولة الموريتانية الفعلية.
ومن خلال موريتانيا فقط يمكن الوصول إلى الكويرة — لكن حتى هذا غير ممكن، لأن المدينة تخضع منذ عقود لإدارة عسكرية موريتانية، وتُعتبر منطقة مغلقة، حتى على الموريتانيين أنفسهم.
 
رغم أن مدينة الكويرة لا تخضع لأي سيطرة مغربية ميدانية، ورغم أنها تقع فعليًا تحت الإدارة العسكرية لموريتانيا، فإن الدولة المغربية تستمر في التعامل معها على الورق كأنها بلدية مغربية قائمة.

ففي كل دورة انتخابية، تُدرج الكويرة ضمن الدوائر الانتخابية، وتُجرى فيها "انتخابات محلية" شكلية، لكن ليس داخل الكويرة — بل في مدينة الداخلة، حيث يُصوّت السكان الذين يُفترض أنهم يمثلون الكويرة.
وهكذا تُنتخب مجالس بلدية لتسيير مدينة لم تطأها أقدامهم يومًا، ولم يدخلها أي ناخب، ولا مرشّح، ولا مراقب انتخابي.

وللمفارقة، هناك ميزانية تُخصّص سنويًا لتسيير بلدية الكويرة، ويُصرف منها أجور موظفين جماعيين، وتُدرج مشاريع "تنموية" وهمية، كلها تُدبّر من مقر البلدية الرمزي في الداخلة.
لا توجد مدارس، ولا مستشفيات، ولا طرق، ولا إدارة، ولا سكان.
لكن توجد رواتب، وأرقام، وتعيينات... في مشهد أقرب إلى العبث الإداري.

هذا الوضع يطرح سؤالًا صادمًا:
هل الكويرة مجرد غطاء بيروقراطي لتبرير صرف المال العام؟
أم أنها أداة سياسية تُستعمل فقط لترسيخ وهم السيادة، بينما الواقع يقول إن المغرب لا يسيطر على سنتيمتر واحد من أرضها؟
لفهم هذا الوضع، لا بد من العودة إلى سنة 1975، حين انسحبت إسبانيا من الصحراء الغربية بموجب اتفاقية مدريد الثلاثية، التي لم تُسجل في الأمم المتحدة، بل تُعتبر اتفاقًا غير قانوني بموجب قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية.


بموجب هذا الاتفاق، اقتسم المغرب وموريتانيا الصحراء الغربية، فحصل المغرب على الشمال، وموريتانيا على الجنوب، بما في ذلك الكويرة.
لكن هذا يُثير سؤالًا جوهريًا:
هل يمكن لمن يدّعي السيادة على أرضٍ أن يقسمها مع دولة أخرى؟
ثم أين كانت السيادة المغربية المزعومة حين سُمح لموريتانيا بالسيطرة على الكويرة؟
في عام 1979، انسحبت موريتانيا من الجزء الذي كانت تحتله من الصحراء، ووقّعت اتفاق سلام مع جبهة البوليساريو، معترفة ضمنيًا بحق تقرير المصير.
لكن، ورغم هذا الانسحاب، فإن الكويرة لم تُسلَّم للمغرب، بل بقيت تحت إدارة عسكرية موريتانية، كنوع من الحياد الاستراتيجي في النزاع.

منذ ذلك الوقت، لم تقم الرباط بأي خطوة علنية أو ديبلوماسية للمطالبة بالكويرة. لا في الأمم المتحدة، ولا في المحافل الإقليمية.
بل إن الخطاب السياسي المغربي يتجنب ذكر هذه النقطة الحساسة، ويُبقيها طيّ الصمت.
ا يجهله الكثيرون هو أن المغرب لا يتقاسم حدودًا مباشرة مع موريتانيا، بخلاف ما قد يُفهم من الخرائط المدرسية الرسمية.
المنطقة التي تفصل بين المغرب وموريتانيا تُسمى المنطقة العازلة، وتخضع لرقابة أممية، ولا يُسمح بوجود عسكري مغربي فيها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار مع البوليساريو عام 1991.

وهنا يظهر تناقض كبير:
كيف يمكن الحديث عن سيادة كاملة على الصحراء، في حين لا يمكن للمغرب أن يمدّ حدوده السيادية فعليًا حتى تلامس حدود موريتانيا؟
بل إن الكويرة نفسها، التي تُذكر في الشعار الوطني، تقع خارج نطاق السيطرة المغربية تمامًا، وتخضع لسلطة دولة أخرى.
قضية الكويرة تُظهر حجم التناقض في الرواية الرسمية المغربية حول "الوحدة الترابية".
فمن جهة، تُستعمل المدينة رمزيًا في الخطاب السياسي والشعبي،
ومن جهة أخرى، لا يُسمح للمواطن المغربي حتى بزيارتها، ولا يوجد أي تواجد فعلي للدولة فيها.
بل الأخطر من ذلك: لا يُطالب بها، ولا يُفتح ملفها في أي سياق رسمي.

فهل الكويرة مجرد شعار؟
أم أنها مرآة تُظهر حدود ما لا يريد المخزن الاعتراف به؟
ربما حان الوقت لطرح السؤال المحرج:
لماذا لا يطالب المغرب باسترجاع الكويرة؟

تعليقات