وثائق باندورا
على مدى ما يقرب من عشرين عامًا، كانت الأميرة حسناء، شقيقة الملك محمد السادس، المعتادة على العقارات الفاخرة في الخارج، المالكة السعيدة لفيلا أنيقة في الحي الملكي اللندني كينسينغتون، أحد أغلى الأحياء في العالم. وقد كانت هذه الملكية محتجزة عبر شركة أوفشور مسجلة في جزر فيرجن البريطانية.
في المغرب، كما هو الحال في ممالك الخليج، يكتفي الأمراء والأميرات نادرًا بلقبهم البروتوكولي، إذ ينخرطون غالبًا في الأعمال. المالية، العقارات، الزراعة أو الطاقة هي القطاعات المفضلة للعائلة الملكية.
ومن بين أعضائها، نجد الأميرة حسناء، شقيقة الملك محمد السادس، رئيسة شركة Star Finances القابضة، التي تمتلك العديد من الممتلكات العقارية في الخارج. لذلك لم يكن من المستغرب أن نجد اسمها مذكورًا بين 12 مليون وثيقة جرى الحصول عليها في إطار وثائق باندورا، التحقيق الجديد الذي أجراه أكثر من 600 صحفي عبر العالم، من بينهم موقع Le Desk في المغرب، تحت تنسيق المجمع الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ).
أميرة وإخوتها ذوو النزعة العقارية
في سنة 1994، تزوجت الأميرة حسناء من خليل بنحربيت، طبيب وابن شخصية نافذة. ومن هذا الزواج وُلدت ابنتان: للا أميمة وللا أوليا.
في أنشطتها الرسمية، تُعرف الأميرة بأعمالها الخيرية: فهي رئيسة مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، وقد شاركت بشكل مباشر في تنظيم مؤتمر الأمم المتحدة COP22 بمراكش عام 2016. وأربع سنوات قبل ذلك، كانت هي من أشرفت على يوم الأرض، الذي تم تنظيمه لأول مرة في المغرب.
ومؤخرًا، أُضيف إلى نشاطها الاجتماعي دور آخر يتمثل في الإشراف على حماية التراث الثقافي لمدينة الرباط. ولهذا الغرض، تترأس مؤسسة أخرى اتخذت مقرًا لها – كما كشف موقع Le Desk – في مبنى استعماري استثنائي بوسط المدينة كان مهملًا، وطالما طمحت إليه جهات ثقافية عدة. وبهذا سيكون على الحكومة والمنتخبين والجمعويين أن يتعاملوا مع الأميرة حسناء للحفاظ على الخصوصية المعمارية والثقافية للعاصمة.
ومع أن الرباط مصنفة ضمن التراث العالمي لليونسكو، فإن تحولها المتسارع في إطار مشروع ملكي يحمل اسم "الرباط، مدينة الأنوار" كان قد أثار انتقادات من المنظمة الأممية، التي عبّرت عن قلقها من أن بعض المشاريع الكبرى قد تُشوّه الطابع الأصيل للمدينة.
هذا من حيث السيرة الرسمية. لكن هناك جانبًا آخر، هذه المرة شخصي وخاص بالأميرة، ظل مجهولًا إلى حد كبير لدى العامة، إذ نادرًا ما تتجرأ الصحافة على تناول موضوعات تتعلق بثروتها أو ممتلكاتها، خاصة تلك التي تم تنميتها خارج حدود المملكة.
على غرار باقي أفراد العائلة الملكية، دأبت الأميرة حسناء على القيام بمشتريات عقارية، أحيانًا مع إحدى شقيقتيها للا مريم وللا أسماء، وأحيانًا لفائدة ابنتيها. هاتان الأخيرتان تعيشان وتدرسان في باريس، حيث وفّرت لهما والدتهما، في بداية جائحة كوفيد-19، مسكنًا فاخرًا في قلب الدائرة 16 الراقية. وقد أُنشئت لهذه الغاية شركة مدنية عقارية، حيث تمتلك الأميرة حسناء 900 من أصل 1000 حصة، بينما حصلت كل واحدة من ابنتيها على 50 حصة.
ويبدو أن هذه الصفقة تمهيد لإقامة طويلة الأمد على ضفاف نهر السين لكل من للا أميمة وللا أوليا، بمساعدة من والدتهما المساهمة. فالأولى أسست في باريس سنة 2021 شركة Mima Bijoux، المخصصة للمجوهرات والأحجار الكريمة، بينما أطلقت الثانية، الشغوفة بالتصميم، علامتها الخاصة DLO الموجهة للإكسسوارات.
ولا شك أن باريس تمثل مستقبلًا للابنتين. وقد استفادتا أيضًا من دعم عمتهما للا أسماء، التي أنشأت في نوفمبر 2019، عبر مدير ديوانها عزيز بنزبير، شركة مدنية عقارية بشارع مارسو في الدائرة 8 بباريس، أحد أرقى الأحياء. ولا يُعرف الكثير عن هذه الشركة سوى أنها مخصصة لاقتناء وإدارة ممتلكات أو محلات أو مكاتب.
ويظهر في المساهمين، إلى جانب بنزبير، شركتان هولنديتان هما Oumaila B.V و A.A. Investments B.V. الأولى مسجلة في هولندا عبر خدمات JTC Group، ويديرها أيضًا بنزبير، أما الثانية فكان يديرها في البداية عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب والمقرّب من الدوائر الملكية، قبل أن يخلفه أنيس اليوسفي. هذا الأخير كان إلى حدود ديسمبر 2020 مديرًا دوليًا في البنك المركزي، قبل أن يصبح مستشارًا ويُشرف على بعض صفقات الأميرة حسناء، بل ساعد أيضًا ابنتيها في تأسيس وإدارة شركاتهما.
في باريس، ليست الأميرة حسناء الوحيدة التي تهتم بالعقارات. شقيقتها للا أسماء، تكبرها بعامين، اشترت عدة شقق في أحياء مرموقة بباريس مثل الدائرة 7 (شارع بوسكيه، كاي دورسي) والدائرة 8 (شارع فرانسوا الأول). كما أنها كانت قد اقتنت عقارًا آخر في الدائرة 16 عبر شركة مسجلة في لوكسمبورغ، لكنها باعته لاحقًا.
أما للا مريم، الأخت الكبرى والمطلقة من فؤاد الفيلالي (الرئيس السابق لمجموعة أونا الملكية، التي أصبحت المدى)، فقد اشترت سنة 2014 عقارًا ريفيًا في منطقة ليزيفلين قرب باريس، عبر شركة مدنية عقارية قيمتها نحو 3 ملايين يورو.
الملك محمد السادس نفسه اقتنى في 2021 قصرًا فخمًا عند أقدام برج إيفل بقيمة 80 مليون يورو، كان قد مملوكًا سابقًا لأحد أفراد عائلة آل سعود. وهو إضافة إلى قصره الباريسي، يملك أيضًا قصر بيتز الذي ورثه عن والده الملك الراحل الحسن الثاني.
ورغم أن باريس تعد مركزًا رئيسيًا لإقامات العائلة الملكية في الخارج، تكشف وثائق باندورا أن لندن أغرت هي الأخرى العائلة، وبالأخص الأميرة حسناء.
فيلا إنجليزية في كينسينغتون
تفيد الأبحاث أن الأميرة مسجلة كمستفيد فعلي من شركة تأسست في جزر فيرجن البريطانية عام 2008، باسم Oumaila Limited، وهو اسم مركب من اسمي ابنتيها. وبحسب الوثائق، استخدمت هذه الشركة لشراء عقار في المملكة المتحدة. وفي 2016، قدّرت قيمة العقار بـ 8,3 ملايين جنيه إسترليني (حوالي 102 مليون درهم).
لإدارة شركتها، استعانت الأميرة بمكتب Equiom في جزيرة جيرزي، الذي بدوره لجأ إلى فرع Trident Trust في جزر فيرجن البريطانية لتسجيلها، وهو مكتب ورد اسمه مرارًا في وثائق باندورا، ومعروف بأنه أحد أكبر مزودي الخدمات الأوفشور في العالم.
وبمتابعة مسار الشركة، نصل إلى حي كينسينغتون الراقي بلندن، الأغلى في بريطانيا، حيث تتجاور القصور والفلل مع قصر كينسينغتون (مقر إقامة الأمير وليام وكيت ميدلتون سابقًا، وكذلك الأمير هاري وميغان ماركل). وهناك، بشارع Addison Road، تقع فيلا الأميرة: منزل أبيض محايد الألوان، مساحته 400 متر مربع تقريبًا.
رغم أن الشركة أنشئت عام 2008، إلا أن الفيلا نفسها اقتنتها الأميرة حسناء عام 2002. وبقيت مالكة لها نحو 15 عامًا، قبل أن تبيعها يوم 11 ديسمبر 2020 بمبلغ 8,5 ملايين جنيه (104,5 مليون درهم)، إلى رجل الأعمال الجنوب إفريقي أحمد شازيم خميسة، مؤسس شركة Hello Group.
وقد شاركت وكالات متخصصة في العقارات الفاخرة مثل ZPG وStrutt & Parker (التابعة لـ BNP Paribas Real Estate) في عملية البيع. وكانت القيمة الأولية محددة عند 7,25 ملايين جنيه، قبل أن ترتفع إلى السعر النهائي.
الأميرة واعتناؤها بفيلاها
لم تكن "فيلا كينسينغتون" مجرد استثمار مالي مهمل، بل كانت مستخدمة من طرف الأميرة وعائلتها. فمنذ اقتنائها عام 2002، أجرت عدة تعديلات: توسعة للشرفة، تغيير في الواجهة، إنشاء طابق علوي (مانسارد) سنة 2003، بالإضافة إلى تجديدات داخلية مثل توسيع الخزائن. وقد أشرف على هذه الأعمال مكتب المعماري باسيل فهيمي.
وتُظهر صور Google Street View من 2015 و2016 أن المنزل كان مأهولًا، مع سيارات فاخرة مركونة في فناءه. وفي 2018، أُصلحت بوابة المرأب. غير أن جائحة كوفيد-19 غيّرت إيقاع زيارات العائلة إلى لندن، فقررت الأميرة حسناء بيع الفيلا في نهاية 2020، محققة أرباحًا عبر شركتها الأوفشور.
وعند سؤال مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة حول الموضوع، أحالت الصحفيين على قسم التشريفات بالقصر الملكي في الرباط، لكن لم يصل أي رد. كما تم التواصل مع أنيس اليوسفي، مدير شركات الأميرة في الخارج والمسؤول عن أملاكها بباريس، إلا أنه رفض الإدلاء بأي تصريح.
تعليقات
إرسال تعليق