الداخلية تقتحم "بار.. لمان": منابر الاستخبارات تتحول إلى ساحة حرب داخل الدولة


 لم يكن أحد يتوقع أن يصل الصراع داخل أجهزة الدولة المغربية إلى درجة اقتحام رجال وزارة الداخلية لمقر موقع "بار.. لمان"، المنبر شبه الرسمي لجهاز الاستخبارات "دي جي إس تي" برئاسة عبد اللطيف الحموشي. فالقضية لم تعد مجرد مناوشات إعلامية، بل تحولت إلى مواجهة علنية بين جناحين نافذين: جناح المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، من جهة، وجناح الحموشي ورجاله، من جهة أخرى.

القصة بدأت حين نشر الموقع المذكور، عبر الإعلامية الملقبة بـ"ب.ع"، فيديو مثير يهاجم وزير الداخلية وعددًا من المقربين من الهمة، مثل إلياس العماري وفاطمة الزهراء المنصوري. هذا الهجوم الإعلامي غير المسبوق فتح الباب أمام ردود قاسية، كان أبرزها اقتحام مقر الموقع من طرف الداخلية، في مشهد يعكس حجم "القربلة" داخل هرم السلطة.

ولأكون صريحًا، لولا منشورات الصحافي سليمان الريسوني لما كنت سأنتبه لهذا الصراع أصلًا. فقد توقفت منذ مدة عن متابعة موقع بار.. لمان، لما ينشره من سموم واصطفافات تخدم أجندات الأجهزة الأمنية أكثر مما تخدم الحقيقة أو الرأي العام. لكن يبدو أن الأفاعي التي كانت تبث سمومها في جسد المجتمع، بدأت اليوم تعض بعضها بعضًا، وتكشف للرأي العام جزءًا من المستور.

لكن خلف هذه الأحداث تكمن قصة أعمق. فالأمير هشام العلوي، ابن عم الملك محمد السادس، كان قد نبه في حوار مع صحيفة "إلـ كونفيدانسيال" الإسبانية إلى أن ما يجري لم يعد مجرد "حرب بين أجهزة المخابرات"، بل هو "مرض عميق" ينخر أجهزة الدولة. الأمير أكد أن الأجهزة تجاوزت صلاحياتها منذ الربيع العربي، وانخرطت في ممارسات خطيرة: من التجسس على الحياة الخاصة للناس، إلى تلفيق الفضائح والابتزاز الجنسي والاقتصادي، قبل أن تنقلب هذه الأساليب نفسها إلى سلاح يُستخدم داخل الأجهزة ضد بعضها البعض.

الهجوم الإعلامي لبار.. لمان على وزير الداخلية لم يكن معزولًا. فقد سبقته سلسلة مقالات وفيديوهات تستهدف رجال الهمة بشكل مباشر، وهو أمر غير مألوف في تاريخ الصحافة المرتبطة بالاستخبارات، إذ كانت هذه الأخيرة تُوجه عادة ضد المعارضين لا ضد رموز الدولة أنفسهم.

ولم يتوقف التصعيد عند هذا الحد. فقد ترددت اتهامات بتبديد مسؤولين استخباراتيين، ومن بينهم الخباشي المحسوب على الحموشي، لأموال عمومية في نزوات شخصية، وهي الاتهامات التي كشف جانبًا منها النقيب محمد زيان قبل أن يدفع ثمنها اعتقالًا ومحاكمة.

هكذا، من "فيديو ب.ع" إلى "بار الخباشي"، ومن صراع الحموشي والهمة إلى تحذيرات الأمير هشام، يبدو أن المشهد أكبر من مجرد حسابات شخصية أو مؤامرات عابرة. نحن أمام مواجهة غير مسبوقة خرجت من الغرف المغلقة إلى الإعلام والشارع، بما يحمله ذلك من مؤشرات على تآكل الضبط التقليدي لصراعات الأجنحة داخل مربع السلطة.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن بصدد أزمة مؤقتة يمكن احتواؤها، أم أننا أمام بداية تفكك في هرم الدولة، تغذيه غياب الملك ومرضه، كما يلمّح كثيرون؟
الجواب ما يزال معلقًا، لكن المؤكد أن المغاربة صاروا يشاهدون فصول "التشرميل المخزني" على الملأ، في وقت كان يُفترض أن تبقى مثل هذه الصراعات طي الكتمان.

تعليقات