الولايات المتحدة تضيف شرط لدعم الحكم الذاتي

 



نشرت السفارة الأمريكية بالمغرب تدوينة نقلت تصريح كبير مستشاري الرئيس للشؤون الإفريقية، مسعد (Massad) بولس، بعد لقائه المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية ستافان دي ميستورا، مؤكدة أن موقف الولايات المتحدة «الحكم الذاتي الحقيقي في إطار السيادة المغربية هو السبيل الوحيد للتوصل إلى حل عادل ودائم ومتوافق عليه». هذه الصياغة الرسمية الأميركية ليست مجرد إعادة لصيغة قديمة بل إشارة سياسية مقصودة تحمل إبهامًا مقصودًا وخطًا أحمر ذا مضمون عملي واضح.

 

لماذا كلمة «الحقيقي» مهمة ؟

 

الولايات المتحدة، منذ إعلانها العام 2020 الذي اعترفت فيه بسيادة المغرب على الصحراء الغربية وأكدت دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية، تستخدم اليوم لفظة / الحقيقي لتحديد مستوى الطموح والمضمـون الذي تنتظره من أي خطة مقبولة: ألا تكون مجرد اسم أو «لامركزية موسّعة» شكلية، بل نظامًا يمنح سكان الإقليم سلطات ومؤسسات فعلية قابلة للقياس (برلمان محلي انتخابي، حكومة محلية بسلطات تنفيذية واضحة، جهاز قضائي محلي مستقل في حدود المعقول، آليات لحماية الحقوق الأساسية، وإشراف دولي أو ضمانات تنفيذية يمكن التحقق منها). هذا الخط يربط موقف الإدارة الأمريكية الحالي بما كان عليه إعلان الاعتراف الأميركي عام 2020، لكنه يضيف شرط المصداقية التطبيقية. ماذا عرض المغرب رسميًا (إطار 2007)؟ ولماذا لا يكفي؟
المقترح المغربي المعلن في 2007 يقدّم ـنظريًاـ تأسيس «جهة صحراء» ذات مجلس وبرلمان محليين بصلاحيات في نطاقات مدنية وإدارية، بينما يحتفظ المركز بالقيادات السيادية: الدفاع، الأمن القومي، العلاقات الخارجية، العملة والعدالة العليا، والرموز الوطنية. الوثيقة الأممية التي استقبلت مشروع الرباط تحدد هذه الحدود بوضوح: صلاحيات محلية واسعة من ناحية خدمات وتنمية، لكن سيادة الدولة وبنود السيادة محفوظة للرباط. إذًا، الاختلاف هو في الممارسة العملية: هل ستُترجم هذه النصوص إلى مؤسسات حقيقية ومستقلة نسبياً؟ أم ستبقى واجهة تحت وصاية مركزية؟ 
الميدان: تجنيد النخب الصحراوية وإعادة إنتاج الشرعية المحلية
على الأرض عملت الدولة المغربية على بناء مشهد «تمثيلي صحراوي» عبر مؤسسات وفعاليات وإطارات مشجعة ومموّلة (برامج تنمية، استثمارات كبرى في البنية، مشروعات زراعية وسياحية، وتعيينات في مجالس استشارية مثل CORCAS) ومن خلال تشجيع أحزاب محلية وقادة قبليين وممثلين محليين يشاركون في مؤسسات منتخبة أو مُعيّنة تصطف مع توجه الدولة. هذه الآليات تُقرأ وسياسياً تهدف إلى خلق شرعية مؤسسية محلية تدعم المقترح المغربي وتُظهر «قبولًا داخليًا»؛ لكنها في كثير من الحالات تُنتقد لضعف المساءلة، وطبيعتها التعيينية أو التأثيرية على قواعد صنع القرار المحلي، ما يجعل الحكم الذاتي المطبَّق أقرب إلى «لامركزية موسّعة» منه إلى تفويض حقيقي للسلطة. المؤسسات الحكومية والمجالس الاستشارية المغربية في الصحراء تُستشهد كثيرًا كنموذج على هذا التمكين، بينما الباحثون والنقاد يشيرون إلى أوجه قصور في شرعيتها العملية. ثمن «الشرعية الميدانية» وأثرها على الحريات والحقوق
التركيز على بناء بنية مؤسساتية مؤيدة للمقترح المغربي ذيول ملموسة: تقليص المجال العام لمن يعارضون مشروع الرباط، تضييق نشاط المدافعين عن تقرير المصير، وحالات متكررة من ملاحقات أو مضايقات بحسب منظمات حقوقية. تقارير مراصد حقوق الإنسان ومنظمات دولية توثق حالات تحرّش واعتقالات وتصعيد في الحملات الأمنية ضد ناشطين صحراويين، ما يضع علامة استفهام حول مدى إمكانية وجود حكم ذاتي «حقيقي» في ظل بيئة تُقوّض حرية التعبير والتجمع. أي حكم ذاتي يُنسب إلى منطقة لا يضمن فيها المواطنون الحقوق الأساسية سيبقى مشكوكًا في «حقيقته». 
لماذا يصرّ المغرب على الصيغة التي يقدّمها؟
أسباب واقعية: التحكم بالموارد (الفوسفات، الثروات البحرية، الاستثمارات السياحية والطاقة المتجددة)، الأمن والاستقرار الداخلي، وحسابات سيادة ترسّخ المكانة الإقليمية. سياسية: احتفاظ الرباط بحافز قوي للحفاظ على وحدة الإطار الدستوري ومفاصل القرار المركزي. دبلوماسياً: إنتاج بيئة محلية «مؤيدة» تروّج لمقترح الحكم الذاتي يساعد على تسويق المشروع أمام عواصم غربية، ويُسهِم في كسب اعترافات أو مواقف داعمة (شهدنا خلال 2025 مواقف داعمة متزايدة من دول غربية). 
ماذا تعني عبارة الملك «حل توافقي لا غالب فيه ولا مغلوب»؟ ولماذا جاءت الآن؟
العبارة التي وردت في خطاب العرش الأخيرة تحمل طبقات قراءة: من جهة هي عبارة دبلوماسية مطمئنة تُستخدم لإطلاع الشركاء الإقليميين والدوليين على مرونة لفظية: «نحن مستعدون للحوار في إطار يحفظ ماء الوجه». من جهة أخرى، هي تحول لهجوي نسبي مقارنة بلغة «الحسم والسيادة المطلقة» القديمة — وهو تحول تكتيكي أكثر من كونه تنازلاً جوهريًا عن الموقف: الرباط تريد إظهار استعدادها للحوار التوافقي من دون التفريط بالسيادة، أي البحث عن صيغة تُقنع المجتمع الدولي وتُبقي على المكتسبات الواقعية. قراءة أخرى: العبارة موجّهة داخلياً وخارجياً كرسالة أن المغرب يريد إطار تفاوضي قابل للتسويق الدولي بينما يحافظ على عناصر السيطرة الأساسية.
كيف يقرأ الأمريكيون الموقف المغربي؟ وما الذي يعنيه «دعم المقترح بدون حلّ»؟
الولايات المتحدة اليوم تؤيّد المقترح الرسمي كإطار مرجعي عملي، لكنّ تأكيدها على «الحكم الذاتي الحقيقي» هو وسيلة لضغط ناعمة: واشنطن لا تريد فقط إقفال ملف بالصيغة الشكلية، بل تطلب ما يمكن عرضه كمشروع يعمل فعلاً، يُحترم فيه الحد الأدنى من الضمانات السياسية والحقوقية. عمليًا، هذا يعني أن الدعم الأميركي يظل «مشروطًا» بالتحقّق من جدية التنفيذ — وليس بالضرورة دفع مفصّل للحل النهائي. النتيجة العملية: تزايد الدعم الدولي للمقترح المغربي، لكن بدون اتفاق تفصيلي على آليات التنفيذ، ما يعني أن مجلس الأمن وMINURSO سيظلاّ عناصر إدارة ومسارات تفاوضية لا تحسم النزاع نهائياً.
السيناريوهات المحتملة والآثار المتوقعة
سيناريو استمرار الوضع القائم (الأكثر احتمالاً قصيرًا): تكيف دبلوماسي أوسع لمقترح الحكم الذاتي مع بقاء تحكم مركزي؛ سيؤدي هذا إلى شرعنة جزئية لاستثمارات ومشاريع تنموية، لكنه سيبقي جذور الاحتجاج والشرعية المحلية متوترة، ومع خطر تجدد التوترات.
سيناريو «حكم ذاتي حقيقي محدود»: توافق دولي يفرض آليات مراقبة وتنفيذ (مؤسسات محلية ذات استقلال نسبي، مراقبة دولية لفترة انتقالية، ضمانات لحقوق المواطنين). هذا يتطلب تنازلات عملية من المغرب تُقاطعها جزء من خطاب السيادة لكن قد تُقدَّم كـ«انتصار توافقي».
سيناريو تصعيد المسار المسلح أو تفجّر احتجاج كبير: وارد إذا تزايد الإحساس المحلي بأن «الحكم الذاتي» مجرد تغليف للسيطرة، أو إذا مُنعت آليات حقوقية ومؤسسية فعّالة.
كل سيناريو مصحوب بمخاطر إقليمية (تفاقم التوتر المغربي-الجزائري، تأثير على الأمن الإقليمي، قضايا تدفق المهاجرين والاستثمار). 
خاتمة: ماذا نستخلص؟
الخبر (تدوينة السفارة) هو مؤشر أن الولايات المتحدة تضغط لرفع مستوى الطرح المغربي من «شِعار» إلى «محتوى قابل للقياس»؛ والواقع الميداني المغربي (بناء هياكل محلية، تجنيد نخب، مشاريع اقتصادية) يريد تحويل الحكم الذاتي إلى واقع تُمسك به الرباط. بين الطرحين ثغرة جوهرية: لماذا؟ لأن المصالح والضمانات المؤسسية المختلفة تحول دون انتقال سريع إلى حكم ذاتي حقيقي. لذلك فإن الدعم الدولي للمقترح اليوم هو دعم لإطار تفاوضي — لا حل نهائي منظّم يُنهي النزاع بمجرده — ما يعني أن التفاوض على التفاصيل، وآليات الضمان والتنفيذ، وحقوق الأفراد، ومراقبة التطبيق، سيحسم مصداقية أي «حكم ذاتي» أو يكشف أنه مجرد غطاء لاحتفاظ بالقيادة المركزية.

تعليقات