حذر تقرير حديث صادر عن المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة من الوضعية الحرجة التي يمر بها سوق الشغل في المغرب، حيث تتقاطع فرص اقتصادية جديدة مع مخاطر بنيوية تهدد الاستقرار الاجتماعي في السنوات المقبلة.
التقرير نبه إلى أن النموذج الحالي، رغم نجاحاته القطاعية في مجالات مثل صناعة السيارات والاستعدادات لكأس العالم 2030، يظل هشاً لارتباطه المفرط بالسوق الأوروبية، وتقلباتها الاقتصادية والبيئية. وأضاف أن ما يبدو مكاسب آنية قد يخفي خلفه أزمات مستقبلية، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من الوظائف المستحدثة يظل مؤقتاً وظرفياً في قطاعات البناء والسياحة والخدمات.
ووفق التشخيص الوارد في الوثيقة، يعاني المغرب من بطالة هيكلية مرتفعة تصل إلى 37% لدى الشباب و20% بين النساء، بينما لا يتجاوز معدل النشاط الاقتصادي 43%، مع مشاركة نسائية ضعيفة (18%). كما يتركز ثلثا الوظائف في القطاع غير المهيكل، مع
غياب حماية اجتماعية وانتشار العمل الجزئي وتفاوت جهوي واضح في فرص التشغيل
.
وفي ما يتعلق بالقطاعات الحيوية، أوضح التقرير أن الصناعة المغربية رهينة للسوق الأوروبية، إذ أن أكثر من 80% من صادرات السيارات تتجه إلى فرنسا وإسبانيا. وهو ما يعرّض المغرب لضغوط مباشرة من التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية ومن السياسات البيئية الأوروبية مثل ضريبة الكربون. كما أن ضعف سلاسل القيمة المحلية يحد من العائد الاقتصادي الحقيقي للتصنيع.
أما الخدمات والسياحة فتعتمد بدورها على الخارج، حيث تستند مراكز الاتصال بنسبة 80% إلى السوق الفرنسي، ما يجعلها معرضة لأي تغييرات تنظيمية هناك. وفي السياحة، يحذر التقرير من أن الطفرة المرتبطة بتنظيم كأس العالم 2030 قد تتحول إلى «فقاعة» مؤقتة ما لم توضع استراتيجيات واضحة لما بعد الحدث.
التقرير أشار أيضاً إلى التهديدات المستقبلية المرتبطة بتسارع استخدام الذكاء الاصطناعي وما قد يسببه من فقدان لوظائف تقليدية، إضافة إلى انعكاسات التغير المناخي على الفلاحة والسياحة الساحلية. كما لفت إلى المنافسة الإفريقية الصاعدة من بلدان مثل إثيوبيا وغانا التي تقدم بدائل قوية في الصناعات الخفيفة.
وللتعامل مع هذه التحديات، رسم التقرير ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل الشغل بالمغرب:
سيناريو الطفرة: حيث يتم دمج التحول الرقمي والأخضر مع إصلاح التعليم والتكوين المهني، بما قد يخلق مليون وظيفة عالية القيمة بحلول 2040.
سيناريو الأزمة: استمرار الاعتماد على أوروبا سيؤدي إلى موجة بطالة غير مسبوقة بعد 2030.
السيناريو الوسطي: نجاح جزئي في التنويع الاقتصادي دون إصلاحات جذرية، مما يبقي الهشاشة قائمة.
كما اقترح التقرير حزمة توصيات عملية:
على المدى القصير: إعداد خطة وطنية لمرحلة ما بعد 2030، تنويع الأسواق نحو إفريقيا والأمريكيتين، وإعادة تأهيل عمال مراكز الاتصال
.
على المدى المتوسط: إصلاح قانون الشغل بشكل شامل، وإحداث ثورة في التكوين المهني والرقمي، وتشجيع التصنيع المحلي للمكونات الاستراتيجية.
على المدى الطويل: تجربة برامج الدخل الأساسي الشامل، دراسة إمكانية تقليص أسبوع العمل إلى أربعة أيام، وإرساء منظومة وطنية للتعلم مدى الحياة.
وختم التقرير بالتأكيد على أن المغرب يقف سنة 2025 أمام منعطف حاسم: إما استثمار الفرص وخلق نموذج نمو متنوع وقادر على امتصاص البطالة، أو الاستسلام للهشاشة البنيوية التي قد تتفاقم بعد انتهاء رهانات كأس العالم.
تعليقات
إرسال تعليق