الإعلام المغربي بين المال والسلطة: خريطة مصالح متشابكة



 


تكشف خريطة الملكية التي أعدّتها مبادرة Media Ownership Monitor، بشراكة مع Le Desk ومراسلون بلا حدود، عن صورة معقدة لشبكة المصالح التي تتحكم في المشهد الإعلامي المغربي. فعلى الرغم من التعدد الظاهري للصحف والقنوات والمواقع، إلا أن جذور الملكية والتمويل تقود في الغالب إلى عدد محدود من المجموعات الاقتصادية والمالية، وشخصيات نافذة في عالم السياسة والأعمال.

هيمنة المجموعات المالية

يتضح من خلال المعطيات أن كبريات وسائل الإعلام المغربية – المكتوبة والمرئية – ليست مستقلة في ملكيتها، بل تدخل ضمن شبكات تمويل تابعة لمؤسسات مالية ضخمة:

  • BMCE Bank / FinanceCom المملوكة لعثمان بنجلون، تملك حصصًا في Radio Méditerranée Internationale التي تدير قناة Medi1 TV وإذاعة Medi1.

  • Saham Group لمولاي حفيظ العلمي، يشارك بدوره في رأسمال Radio Méditerranée Internationale، ويمتلك حصة مهمة في Horizon Group، ناشر يومية Les Éco.

  • Attijariwafa Bank، الذراع المالي لمجموعة SNI/المدى، له حضور في مؤسسة ALM Publishing التي تصدر يومية Aujourd’hui Le Maroc.

  • Akwa Group، المجموعة الاقتصادية التي يملكها عزيز أخنوش، لها تأثير عبر Caractères Médias.

  • GD Holding، التي تملكها نائلة بنسليمان (شقرون) وزوجها، تستحوذ على حصص في La Vie Éco Presse، ناشرة المجلة الاقتصادية La Vie Éco.

العائلة الملكية وحضور الدولة

الخريطة تُظهر أيضًا أن العائلة الملكية، عبر SNI (المدى)، فاعل رئيسي في المشهد الإعلامي، خصوصًا في قناة 2M حيث تملك حصة تقارب 25%، إلى جانب الدولة التي تملك النصيب الأكبر. كما تبرز مساهمة المجموعة في عدة شركات نشر أخرى، مما يعكس حضورًا مباشرًا في صناعة القرار الإعلامي.

شبكة معقدة من الملكية

عند النظر إلى الصحف الاقتصادية والفرنكوفونية، يظهر بوضوح أن:

  • Les Éco مرتبطة بمجموعة Saham.

  • Aujourd’hui مدعومة عبر Attijariwafa Bank.

  • L’Économiste وLa Vie Éco بدورهما مربوطة بمجموعات مالية أخرى.

هذا التوزيع يجعل من الصعب الحديث عن استقلالية تحريرية مطلقة، لأن خطوط التمويل والملكية تمر جميعها عبر فاعلين اقتصاديين وسياسيين كبار.

شخصيات نافذة

من خلال الخريطة، نجد أسماء لخمسة فاعلين أساسيين يشكلون محور التأثير:

  • عثمان بنجلون (FinanceCom – BMCE Bank)

  • مولاي حفيظ العلمي (Saham Group)

  • العائلة الملكية (SNI – المدى)

  • عزيز أخنوش (Akwa Group)

  • نائلة بنسليمان شقرون (GD Holding)

  • إن تركز وسائل الإعلام في أيدي عدد محدود من المجموعات الاقتصادية والسياسية يطرح تحديات كبيرة أمام حرية التعبير والتعددية الإعلامية. فحين تكون الصحف والقنوات تابعة لمصادر تمويل مرتبطة مباشرة بالدولة أو برجال أعمال نافذين، فإن الخط التحريري يصبح مقيّدًا بحدود المصالح التي تموّله.

    هذا الوضع ينعكس على:

    • تنميط المحتوى: حيث نجد أن الخطاب الإعلامي يميل إلى التشابه، ويغيب التباين الحقيقي في زوايا التحليل.

    • الرقابة الذاتية: الصحفيون يتفادون الخوض في ملفات حساسة قد تمس مصالح المالكين أو الجهات الممولة.

    • ضعف الإعلام الاستقصائي: لأن مثل هذا النوع من الصحافة يتطلب استقلالية مالية وتحريرية يصعب تحقيقها في ظل هذه البنية.

    • تأثير على الرأي العام: حين تكون أغلب وسائل الإعلام موجهة وفق نفس المصالح، فإن المواطن يفقد إمكانية الاطلاع على روايات متعددة، ما يضعف جودة النقاش العمومي.

    البعد الديمقراطي

    من منظور ديمقراطي، تُعتبر التعددية الإعلامية ركيزة أساسية لضمان التوازن بين السلطة والمجتمع. لكن الخريطة المعروضة تُظهر أن المجال الإعلامي المغربي يعيش حالة تركّز عالية، تجعل منه امتدادًا للمصالح الاقتصادية والسياسية بدل أن يكون سلطة رابعة مستقلة.

    وبالتالي، فإن أي إصلاح للصحافة لا يمكن أن يقتصر على الجوانب المهنية والقانونية فقط، بل يجب أن يشمل إعادة النظر في هيكلة الملكية والتمويل، بما يتيح بروز فاعلين جدد مستقلين قادرين على إنتاج خطاب إعلامي متنوع ومتوازن.

خلاصة

تكشف هذه الخريطة أن الإعلام المغربي ليس مجرد قطاع يشتغل بمنطق السوق أو الاستقلالية المهنية، بل هو جزء من كارتيل مصالح حيث تتداخل السياسة بالاقتصاد، وتلتقي السلطة بالمال. وهذا يفسر لماذا يظل الهامش التحريري محدودًا، ولماذا يجد الصحفيون صعوبة في تجاوز الخطوط الحمراء التي تفرضها بنية الملكية.

تعليقات