أمين بسعادة.. جريمة دولة مغطاة بدخان “الاستعراضات الإنسانية”

لم يكن الشاب أمين بوسعادة يتوقع أن يتحول في لحظة إلى ضحية جديدة لآلة القمع المغربية. بالأمس، دهسته سيارة أمن بشكل متعمد، حادث دموي انتهى ببتر رجله اليسرى على الفور، وكسر مزدوج في رجله اليمنى.
الجريمة موثقة بالدم واللحم، لكن رواية الدولة جاءت باردة وسطحية: مجرد "حادثة".

غير أن تفاصيل ما جرى تكشف أكثر مما تخفي. ففي محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، اختار النظام أن يطلق العنان لآلة الدعاية، مقدِّماً صوراً استعراضية لنقل أمين بمروحية عسكرية من مستشفى وجدة نحو المستشفى العسكري بالرباط، على بعد 500 كيلومتر. أراد النظام أن يظهر بمظهر الدولة التي "لا تبخل" على أبنائها بالوسائل المتطورة، بينما يعرف المغاربة أن هذه الإمكانيات لا تُفتح إلا للأجانب أو في لحظات استثنائية تُفرض فيها حسابات سياسية وإعلامية.

لكن الاستعراض الفارغ انقلب على أصحابه: إذا كان نقل ضحية في حالة حرجة من وجدة إلى الرباط ضرورياً، فهذا أكبر اعتراف بفشل البنية الصحية في وجدة، المدينة الشرقية التي يُفترض أن تتوفر على تجهيزات قادرة على مواجهة طوارئ بهذا الحجم. كيف لمدينة كبرى، جامعية، أن تعجز عن استقبال حالة بتر وكسر مزدوج؟ أليس في ذلك دليل إضافي على أن احتجاجات الأمس التي شهدتها المنطقة خرجت لأسباب موضوعية، متجذرة في الواقع المرير الذي يعيشه المواطنون؟

الأدهى من كل ذلك، أن الدولة ركزت كل عدساتها على الطائرة، وعلى صور "التضامن الرسمي"، بينما غيّبت تماماً النقطة الجوهرية: مرتكب الجريمة. الشرطي الذي دهس أمين لم يُذكر، لم يُحقق معه، لم يظهر اسمه أو صورته. كأن الفاعل شبح، وكأن دماء أمين سقطت من السماء دون مسؤول مباشر. هذه ليست مصادفة، بل سياسة متعمدة: دفن الجريمة بطمس الجاني.
إن قصة أمين بسعادة تكثف معادلة الظلم المغربي: قمع دموي ضد المحتجين، كذب رسمي يلبس الجريمة ثوب "الصدفة"، استعراض إعلامي يُراد به تلميع الصورة، وإخفاء متعمد للجناة الحقيقيين. وبين هذه الطبقات، يظل الجرح مفتوحاً: جرح جسد أمين، وجرح وطنٍ لا يجد أبناءه فيه سوى الدهس والتهميش والتضليل.

تعليقات